سيد حسين يكتب.. الانتماء.. وقوة الوطن
الإنسان المنتمي هو إنسان نشأ وتربي وترعرع علي دعائم الصحة النفسية التي تعني سلامة الجسد والنفس كما يقول علماء الصحة النفسية تلك الصحة التى تتحقق بجودة حياة الإنسان وإحساسه بمكانته وقيمته في مجتمعه فيحيا في رضا نفسي.
ليس هناك أكمل تشخيصاً وعلاجاً مما قاله حجة الطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة في حوار أجراه معه الزميل الأستاذ محمد عبدالحافظ في مجلة طبيبك الخاص في عدد أغسطس 2015:
قال د.عكاشة: “الصحة النفسية هي مرادف لجودة الحياة. كما تعني أن يشعر الإنسان بقيمته ولديه حرية التعبير عن نفسه. مع العلم بأن بعض الأبحاث الحديثة تشير إلي أن حرية التعبير تعطي 30% من الصحة النفسية وللأسف الصحة النفسية لمعظم المصريين غير سوية بالمعني العام. والسبب كثرة الإحباطات التي تصيبهم مما أدي إلي عدم قدرتهم علي الصمود نتيجة الفقر والظلم وانعدام العدالة والفساد والبطالة والازدحام وتردي التعليم والصحة كما أن المساءلة غير موجودة في مصر لذا من الممكن أن يصل من لا يعمل إلي منصب عال وفي المقابل نجد شخصاً آخر يعمل ولا ينال حقه”.
وينتهي د.عكاشة مؤكداً تعريف المنظمة العالمية للصحة النفسية بأن الصحة النفسية للإنسان هي أساس الأخلاق والقدرة علي العمل والعطاء بحب وإتقان وأن تتواكب القدرات مع التطلعات أي أن يعرف الفرد إذا كان كفؤاً فيصل إلي النجاح دون معوقات وحرية التعبير وإحساس الفرد بأن له قيمة واحتراماً في المجتمع.
نأنس بتراثنا الفكري منقبين عن ذخائره نتأملها بوعي ثاقب ونفيد منها فيمدنا “ابن قتيبة الدينوري 213 ــ 276هـ” في كتابه “عيون الأخيار” ما ذكره أحد الزهاد الذى قال للخليفة المنصور: إن طمعه حجب عنه ما تعانيه رعيته من البغي والفساد لأنه انشغل عن مراقبة عماله ومحاسبتهم فطمعوا هم بدورهم وقالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا نخونه وائتمروا بأن لا يصل إليك من علم أخبار الناس شيء إلا ما أرادوا فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم فكان أول من صانعوهم ــ أي تقربوا إليهم ــ عمالك بالهدايا والأموال ليقووا بها علي ظلم رعيتك. ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم فامتلأت بلاد الله بالطمع بغياً وفساداً وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت غافل.. ثم أخذ الزاهد الشجاع في الحق يحكي قصة أحد ملوك الصين الذي أصيب في سمعه فخشي أنه لا يسمع صوت مظلوم ببابه. فأمر من له مظلمة أن يلبس ثوباً أحمر. ثم راح يتجول في أرجاء مملكته يبحث عن المظلومين ببصره بعد أن فقد سمعه!!
فقال الخليفة المنصور باكياً: ويحك وكيف احتال لنفسي؟! قال الزاهد: يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاماً يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم فاجعلهم بطانتك يرشدونك وشاورهم في أمرك يسددوك.