الفلسفة الكلبية عند الفيلسوف ديوجين…!!
بقلم: فريدة شعرواي ..مصر،
ديوجين فيلسوف يوناني عاش في أثينا خلال القرن الثالث قبل الميلاد وكان يلقب نظراً لأسلوب حياته، بالـ( Cynic) وهي كلمة إغريقية تعني بالإنكليزية(dog) ومن هنا جاء اسم الاتجاه الفلسفي المعروف بالـ(Cynicism) أو الكلبية، وأُعتبر ديوجين أحد أهم الفلاسفة الكلبيين.
بالنسبة للكلبيين فقد كانوا يرون أن السعادة هي المقدرة على التخلي عن كل شيء.. وأنها تتحقق بالعيش وفقاً للطبيعة وعبر تحقيق الاكتفاء الذاتي بالاستغناء عن كل ما هو زائد عن الحاجة.. طبعاً لا يعتبر المذهب الكلبي مدرسة فلسفية منظمة بكل معنى الكلمة وإنما كان طريقة حياة أكثر من كونه نظام فلسفي.
أمضى جل حياته داخل برميل مسكنا له، ويتجوّل في أثينا في وضح النهار حاملاً فانوساً مضاءً، يبحث عن رجل حقيقي، وأنبلُ الرجال بالنسبة إليه هم الذين يحتقرون الثروة والمجد والسرور ويسيطرون على الفقر والغموض والألم والموت، عُرِف بازدرائه للغنى وذمه لمظاهر الترف والإسراف والتبذير.. والاكتفاء بما يتفضل به الناس عليه من طعام.
كان ينعى على تقاليد قومه ، وينكر عاداتهم ، ويسخر من الذين يقدمون القرابين للآلهة .. خرج ديوجين على تقاليد عصره ، ولكنه لم يحمل سيفاً ولا قلماً ، بل كان يسير في الأسواق والشوارع ، ويدخل المعابد والمجتمعات يوجّه الناس إلى الطريق الأفضل ،
_ سأله الاسكندر المقدوني : هل تعيش في هذا البرميل فقط لكي تلفت انتباه الناس وإعجابهم بك؟
_قال ديوجين: وهل فعلاً تريد أنت فتح بلاد فارس وتوحيد كل بلاد الإغريق.. أم تفعل ذلك فقط لتنال الإعجاب؟
_ابتسم الاسكندر وقال: هذا برميل مليء بالحكمة.
_ فقال ديوجين: أتمنى لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة.. نقطة واحدة من الحظ الجيد.. للحكمة طعم مر.. وأحياناً تودي بك إلى الهلاك.. بينما الحظ يفتح لك أبواباً ويحقق لك سعادة ما كنت تحلم بها
_أعجب الإسكندر.. الذي يعرف جيداً معنى الحظ.. بكلام ديوجين ، ثم أخبره أن يطلب منه ما يشاء ليلبيه له..
_فأجابه ديوجين بهدوء : أريد منك شيئاً واحداً… إنك الآن تقف أمامي وتحجب عني أشعة الشمس.. لذا لا تحرمني من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه… لا تحجب شمسي بظلك .
_سأله الإسكندر : الست خائفا
_رد عليه ديوجين : وهل أنت خير أم شر؟
_الإسكندر : خير طبعا.
_ديوجين : ومن يخاف من الخير؟
_حينها قال الإسكندر: لو لم أكن الإسكندر الملك العظيم لتمنيت ان أكون ديوجين .
أصبحت محاورة ديوجين مع الإسكندر الأكبر إحدى أهم المناقشات في التاريخ الفلسفي، ويقال أنهما ماتا في نفس اليوم.. ديوجين عن عمر يناهز التسعين والاسكندر عن عمر لا يتجاوز الثلاثة والثلاثين.
تضاربت الروايات حول سبب وفاة ديوجين. فقد ذكر بعض معاصريه أنه حَبسَ أنفاسه حتى مات، حيث قرر ديوجين ذات يوم أن يتوقف عن التنفس ويمنع الهواء من الدخول إلى رئتيه.. ربما اقتنع يومها أنه لا جدوى من البحث .
ترى.. خلال جلوسه في ذلك البرميل وتجوله مع ذلك المصباح.. هل كان ديوجين يرى ما لم يستطع رؤيته الآخرين. والآن أصبح مصباح ديوجين .. مصباح الحكمة.. و رمزاً للبحث عن الحقيقة
وقيل إنه أوصى بإلقاء جثته خارج أسوار المدينة لتَقتات الحيوانات البرية على جسده. وعندما مات نصب له معجبوه تمثالاً من البرونز كُتبت على قبره العبارة التالية :
ديوجين مجدك سيبقى خالداً، لقد أظهرت أن الرجال كافون لأنفسهم، وأشرت إلى أقصر الطرق إلى السعادة .
أقيم له عام 2006 في سينوب2 (sinop)، مسقط رأسه، حيث يظهر واقفاً يحمل مصباحاً في يده، بلحية طويلة وصلعة واضحة، يرتدي خرقة تكشف عن كتفيه وكلبُه إلى جانبه .إن مصباح ديوجين .. مصباح الحكمة.. و رمزاً للبحث عن الحقيقة .. ديوجين مجدك سيبقى خالد
“فريدة شعرواي “
باحثة مصرية في الفلسفة ..””
مرتبط