أليستْ الديكتاتورياتِ القديمةِ أفضلَ منْ حكامِ اليومِ ؟ !!
بقلمً ؛ – محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ . مصر ؛ –
عندما يصبحُ الكلامُ جرح ويصبح حبرُ القلمِ دما ؛ ويصبحُ الدمُ مباحا ، وحينُ يصبحُ الخوفُ ثقافةً وتصبح المعرفةُ خوفا ، وتعيشَ أمةٌ كاملةٌ في مدنٍ مهجورةٍ مهجرةٍ منْ رحمِ الدمارِ في بلدانِ الربيعِ العربيِ ، وحينُ يصبحُ جيلٌ كاملٌ يهربُ منْ جحيمِ الساسةِ على شواطئِ البحارِ ؛ وتعيشُ حياةُ الخوفِ منْ الخوفِ ،ويسكتُ الصمتُ والكلامُ حتى النباحِ ، وتخافَ حتى منْ هديرِ الحمامِ . وحينُ تتعرى النفسُ وتعري مجتمعا بأكمله . يقبضَ عليهِ الخوفُ ويشلهُ . يخافونَ الخوفُ ويعيشونَ خوفهمْ ؛ يحبونَ في الخوفِ فيأتي حبهمْ مبتورا ؛ – فأنتَ في بلادٍ تسمى بلادُ ” خوفعربستانْ ” – في ظلِ الوضعِ المأساويِ الذي تعيشهُ دولُ الربيعِ العربيِ ، والأزمةُ الاقتصاديةُ الطاحنةُ التي تعصفُ بدولِ الربيعِ العربيِ ، لا أحدَ يجرؤُ أنْ يقولَ ” لا ” لا أحدَ يجرؤُ أنْ يسألَ أنَ الخياراتِ هنا ، محدودةً ، بينَ دخولِ السجنِ ، أوْ دخولِ المقبرةِ ؛ لماذا تترحمُ الشعوبَ على حكامهمْ؟ . لماذا ظهرتْ مجموعةٌ إسفينُ باريس في مصرَ ؟ في ظلِ هذهِ الأزمةِ الماليةِ ، كذلكَ في العراقِ . يترحمونَ ؛ – على صدامْ حسينْ ، وليبيا على ” القذافي ” ، واليمنُ علي ” علي ” عبدِ اللهْ صالحْ ، وسوريا حافظْ الأسدْ . والبشيرْ ، ومباركْ وزينَ العابدينَ ؛ – هلْ كانَ هؤلاءِ الحكامِ الطغاةِ أفضلَ بكثيرٍ من حكامِ اليومِ ؟! ، هلْ ديمقراطيةُ الدبابةِ في بلدِ مثلٍ العراقِ ، التي أصبحتْ مدنها أقزامَ ودويلاتِ طائفيةً ومذهبيةً وعقائديةً في داخلِ بلدةٍ صغيرةٍ ، ويقتلَ الشخصُ على الحواجزِ بسببِ الهويةِ ، أليسَ حكمُ صدامْ كانَ أفضلَ منْ الغزاةِ الأمريكيينَ والإيرانيينَ.؟ من عصاباتٍ تسرقُ وتنهبُ خيراتُ العراقِ باسمِ الطائفيةِ !!؛ رحلَ صدامْ الديكتاتورِ في نظرِ شعبةٍ . هلْ ديمقراطيةُ اليومِ منْ فقرٍ وفسادِ وتشرذمِ أفضلَ منْ حكمِ صدامْ ؟؛ ما هيَ نتائجُ الثوراتِ العربيةِ في تونسَ التي خرجتْ منها ثقبِ كبريتٍ أشعلَ الحراكُ الشعبيُ في مصرَ وسوريا واليمنِ والسودانِ ؛ ماذا يحدثُ في سوريا واليمنِ وليبيا بلاد تعيشُ ثورتها ونكبتها ، منْ الدمارِ ؛ في ليبيا وسوريا واليمنِ حروبٌ أهليةٌ وحروبُ بالوكالةِ صراع دوليٍ في ليبيا وتصفيةِ حساباتٍ في سوريا . واليمنُ تعيشُ عصورَ الجاهليةِ وليبيا تجمعَ مرتزقةُ العالمِ ورائحةِ النفط في كل مكان ؛ِ وصراعِ منْ يسيطرُ على الثروةِ وإعادةِ الإعمارِ ، وتونسُ صورةً جماليةً منْ انتقالِ السلطةِ وانتخاباتٍ . ولمْ تحصدْ” لا عنبُ اليمنِ . ولا بلحَ الشامِ” ، هلْ صحيحٌ كما يترددُ على شاشاتِ برامجَ السوشيالْ ميديا أنَ الشعوبَ العربيةَ لا ينفعُ معها إلا الحديدُ والنارُ !!…
الذي طرحْ الإعلاميَ الدكتورُ / فيصلْ القاسمْ ” على قناةِ الجزيرةِ منذُ عامينِ في ذكرى الثوراتِ العربيةِ ، هلْ أصبحَ واقعُ الآنِ في ظلِ الأزمةِ الطاحنةِ في بلدانِ الربيعِ العربيِ ، بعدُ أعوامٌ على سقوطِ بغدادَ وبعد أنْ ساءتْ أحوالُ العراقِ ، وتشظتْ البلادُ على أسسٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ ، واندلعتْ الحربُ الأهليةُ بدعمٍ وتشجيعٍ منْ الغزاةِ الأمريكيينَ والإيرانيينَ ، وصارَ العراقيونَ يترحمونَ على أيامِ صدامْ حسينْ ، ظهرَ ” كاريكاتيرٍ ” شهيرٍ يصورُ تمثالَ صدامْ حسينْ بأنهُ كانَ ينتصبُ فوقَ برميلٍ مليءٍ بالأفاعي والحيواناتِ المفترسةِ والحشراتِ وكلِ أنواعِ المخلوقاتِ الضارةِ . وما أنْ سقطَ التمثالُ حتى انفجرَ البرميلُ الذي كانَ يجثمُ فوقهُ صدامْ ، فخرجتْ منهُ كلَ أنواعِ الوحوشِ لتفعلَ بالعراقِ الأفاعيلَ . وقدْ أرادَ الرسامُ طبعا أنْ يقولَ لنا أنَ شعوبنا لا تختلفُ عنْ المخلوقاتِ التي كانتْ محشورةً داخلَ البرميلِ الذي كانَ يقفُ فوقهُ تمثالُ الرئيسِ العراقيِ الراحلِ . ولا شك في أنَ الكثيرَ منْ الجنرالاتِ والطواغيتِ والمستبدينَ العربِ أعجبهمْ الكاريكاتير جدا ، فوزعوهُ على وسائلِ إعلامهمْ كيْ تقولَ للشعوبِ وللعالمِ انظروا ماذا يحدثُ فيما لوْ سقطَ الذينَ تسمونهمْ طغاةَ وديكتاتوريين . والآنُ تترددُ مقولةَ الرئيسْ مباركْ أثناءَ أحداثِ 25 يناير ( أنا أوْ الفوضى ) هلْ هذهِ الشعوبِ لا ينفعُ معها غيرَ العنفِ والطغيانِ والسياطِ والحديدِ والنارِ ، وفي اللحظةِ التي تضعفُ فيها أيادي أجهزةِ القمعِ والوحشيةِ ستتحولُ الشعوبَ إلى وحوشٍ ضاريةٍ تحرقُ الأخضرَ واليابسَ ، وتتقاتلَ فيما بينها وستحولُ بلدانها إلى غاباتٍ ، وفي النهايةِ إلى ركامٍ ، وستعودُ بها إلى عصورِ الظلامِ والبربريةِ . كما حدثَ في اليمنِ وليبيا وسوريا كثيرٌ طبعا عندما ينظرونَ إلى حالِ الشعوبِ العربيةِ في بلدانِ الربيعِ العربيِ سيتذكرونَ الكاريكاتير العراقيَ ، ولا شك أنَ بعضهمْ سيترحمُ على صدامْ وعلي القذافي وعلي عبدِ اللهْ صالحْ وعلي حافظْ الأسدْ وأمثالهمْ . وسيقولونَ لنا قارنوا بينُ أوضاعِ بلدانكمْ أيامُ منْ كنتمْ تسمونهمْ طغاةً ، وبينَ أحوالكمْ الآنِ بعدَ سقوطِ الأنظمةِ . أيهما أفضلُ ؟ أليستْ الديكتاتورياتِ القديمةِ أفضلَ بعشراتِ المراتِ ؟ ألمٌ يصبحُ في كلِ بلدِ الآلافَ منْ صدامْ حسينْ وحافظَ الأسدُ والقذافي وغيرهمْ . أليسَ من الافضل بكمْ أنَ تترحموا على تلكَ الأيامِ الخوالي في ظلِ الطغيانِ . والعجيبَ الغريبِ أنَ كثيرا سيهزونَ رؤوسهمْ بالموافقةِ على هذا الطرحِ . لكنَ السؤالَ الجوهريَ الذي يبرزُ هنا والذي يسألهُ كلا منْ في رأسهِ ذرةَ عقلٍ : كمُ حكمِ هؤلاءِ القادةِ ؟ ألمٌ يجثموا فوقُ صدورِ شعوبهمْ لعشراتِ السنينَ ؟ لماذا لمْ يصنعوا شعوبا حضاريةً عصريةً واعيةً ومثقفةً لا تفعلُ ببلدانها الأفاعيلَ بعدَ سقوطِ الأنظمةِ ؟ منْ المسؤولِ عنْ تربيةِ تلكَ الأجيالِ التي تتهمونها بحرقِ بلدانها والاقتتالُ فيما بينها وعدمِ قدرتها على قيادةِ مجتمعاتها بعدَ سقوطِ الحكامِ ؟ أليسَ الطغاةُ الذينَ تترحمونَ عليهمْ . همُ منْ صنعوا خلفاءُ لهمْ . وصنعوا الخوفَ والتخلفَ والفسادَ والجهلَ كلُ هذهِ الأسئلةِ تمَ طرحها على الساحةِ الإعلاميةِ في مختلفِ البرامجِ التوكْ شو ؛ – وفي ذكرى ثورةِ 25 منْ ينايرَ صرخةً لكلِ حكامٍ وملوكِ ورؤساءِ العربِ لا أريدُ شيئا منْ الذهبِ والفضةِ والياقوتِ أريد وطنٌ نعيشُ جميعا في دولةٍ تحترمُ الإنسانَ ، لاتشرعْ البغيا وترقص على الأجسادِ . . . فمتى يمنحني الحكامُ حريةَ الرأيِ والنباحِ .
محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ
كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في الجيوسياسيةِ
saadadham 976 @ gmail . com