ويلات التضخم.. ماذا حملت 2022 من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الإقتصاد العالمي؟

ويلات التضخم.. ماذا حملت 2022 من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الإقتصاد العالمي؟

ميساء عطوي “الديار”

بعد تفشي جائحة كورونا التي أحدثت أضرارا جمّة بالاقتصادات العالمية، وفي الوقت الذي كان العالم في طريقه للخروج منها، ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على الاقتصاد العالمي، وسببت تداعيات عالمية مقلقة، فعرقلت التعافي الاقتصادي العالمي وأثّرت بشكل حاد على العديد من المجالات والقطاعات في العالم، كان أبرزها:

أزمة إمدادات الغاز وارتفاع أسعار المواد الأولية
تملك كل من روسـيا وأوكرانيا نسـبة كبيرة من الصـادرات العالمية لعدد كبير من السـلع الاسـتراتيجية.
ونظرا لدور روسيا في مجال الطاقة، اذ تعد من أكبر المنتجين والمصدّرين للوقود عالمياً، فان الحرب الروسية – الأوكرانية أدت الى ارتفاع أسعار الطاقة، حيث بلغت أسعار النفط والغاز مستوى خيالياً لم يعهده منذ 14 عاما، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم والانكماش الاقتصادي على مستوى العالم، حيث كان سعر نفط برميل برنت يتراوح عند مستوى 90 دولارا ليرتفع لاحقاً الى مستوى 139,13 دولارا، قبل أن ينخفض حالياً الى مستوى 85 دولاراً.
ومن تداعيات الحرب أيضاً، ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا الذي يعتبر مصدر رئيسي للتدفئة وتوليد الكهرباء. وقد أظهرت البيانات الصـادرة عن البنك الدولي ارتفاع مؤشـــر الغاز الطبيعي إلى 1.273 نقطة في آذار2022 بنســـبة زيادة شـــهرية بلغت 24.38 ،%وبنســـبة زيادة ســـنوية 1.316 % مقارنة بشـــهر آذار 2021 حيث ارتفع ســـعر الغاز الطبيعي في أوروبا إلى 4.42 دولار/مليون وحدة حرارية بنسـبة زيادة سـنوية 9.591 %مقارنة بالعام 2021 .
بلبلة الأسواق حيال العملات المشفرة
مع تعافي الاقتصاد العالمي من تبعات جائحة كوفيد-19، بدأت أسواق البورصات مطلع عام 2022 تعاود نشطاتها، الا أنّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا غيّرت مسار أوضاع الأسهم فأدت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها دول غربية الى شلّ جزء من النظام المصرفي الروسي، وتسببت بانهيار حاد في قيمة الروبل إزاء العملات الأجنبية حيث انخفضت قيمة العملة المحلية الى 177 روبل للدولار الواحد مقابل 75 للدولار.
كما ووسّعت العملات المشفرة خسائرها وهبطت إلى أدنى مستوياتها منذ تشرين الثاني 2020، لتفقد نحو 190 مليار دولار من قيمتها السوقية، كما وهبطت عملة بيتكوين، التي تعد أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية، بنسبة 10.66 في المئة وسجلت خسائر قاربت 19 في المئة وانخفضت القيمة السوقية لـ”بيتكوين” إلى 323.34 مليار دولار أميركي، بإجمالي 19.202 مليون وحدة متداولة من إجمالي 21 مليون وحدة مطروحة للتداول.
إضافة الى ذلك، انخفضت القيمة السوقية لإجمالي العملات الافتراضية حول العالم، إلى 828.8 مليار دولار، موزعة على 21706 عملة افتراضية.
تضخم أزمات الغذاء
تلعب كل من أوكرانيا وروسـيا دورا رئيسـا في أسـواق الغذاء العالمية إذ أنّ حوالى ثلث القمح في العالم يتم تصديره منهما، لذلك تعرّضت العديد من دول العالم الى اضطرابات في استيراد الحبوب، وأبرزها دول الشرق الأوسط التي كانت الأكثر تضررا مثل لبنان واليمن، وفي افريقيا مصر وليبيا.
كذلك أدت الحرب إلى ارتفاع كلفة الغذاء في شرق إفريقيا، وأدى التضخم المرتفع في البلدان النامية إلى خفض الدخل الحقيقي للأسر وسارع في زيادة ارتفاع أعداد الفقر.
فقد سـجلت أسعار القمح على المسـتوى العالمي ارتفاعا ملحوظا وطبقا لتقرير سوق الحبوب العالمي الصادر عن مجلس الحبوب ارتفع مؤشـر أسـعار الحبوب بنسـبة زيادة بلغت 2.33% من هذا العام. ومع تفاوت مســــتويات الارتفاع للمؤشـرات الفرعية في أسـعار شـحن الحبوب حيث سـجل مؤشـر أوروبا زيادة سـنوية بنسـبة بلغت 46 بالمئة.
ارتفاع أسعار الفائدة
اشتدت الأوضاع الاقتصادية العالمية جرّاء استمرار البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة وفي ظل وجود درجة عالية من عدم اليقين، زادت المخاطر المحيطة بالاستقرار المالي والنقدي وأدى الى زيادة حجم التضخم المالي الذي يعتبر من أهم القضايا الأساسية الذي بلغ أعلى مستوياته مقارنة بالسنوات الماضية، بما في ذلك قد تباطأ إصدار سندات الأسواق الصاعدة والواعدة بالدولار الأميركي وغيره من العملات الرئيسية حتى بلغ أضعف وتيرة سجلها منذ سبعة أعوام.
من هذا المنطلق قرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي محاربة التضخم المرتفع، ورفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 75 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي وهي وتيرة تزيد من خطر حصول ركود في نهاية المطاف.
وعززت هذه الخطوة سعر الفائدة القياسي قصير الأجل، والذي يؤثر على العديد من القروض الاستهلاكية والتجارية، ليتراوح بين 3%، و 3.25%، وهو أعلى مستوى منذ أوائل عام 2008.
إقتصاد الصين العظيم
وجدت الصين نفسها جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، في موقف صعب نظراً للكثير من الاعتبارات السياسية والجيوإستراتيجية، فكان عليها الحفاظ على علاقتها المتينة بروسيا من جهة، وعدم المخاطرة بمصالحها الاقتصادية الضخمة مع أوروبا والولايات المتحدة.
وقد سجل الاقتصاد الصيني نموا بوتيرة أسرع من المتوقع حيث أظهرت بيانات رسمية، أن الناتج المحلي الإجمالي، في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، قد نما على أساس سنوي بنسبة 3.9 بالمئة في الربع الثالث عند 3.4 بالمئة.
وفي كانون الأول من هذا العام وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية في زيارة رسمية إلى المملكة بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للمشاركة في قمة سعودية-صينية ليوقع من خلالها الوفد الصيني اتفاقات مع الرياض بقيمة 30 مليار دولار وسط آمال ببسط نفوذها ورفع مستوى التعاون العربي في أنحاء العالم.
لا شك بأن الدول أمام أزمة أقتصادية عالمية حساسة، ومن الممكن أن تحمل سنة 2023 تخبطاً دوليا يهدد مصالحها ويجعل اقتصادها يتراجع.
لكن وعلى الرغم من ارتفاع مخاطر الركود، وتفاقم حدة الانكماش العالمي، فإنه لا يزال هناك أمل بتحقيق نتائج إيجابية، وبداية الطريق هي وضع حد نهائي للحرب في أوكرانيا، وهذا ما قد يفتح المجال لايجاد حلول كثيرة للأزمات الاقتصادية العالمية.

يسعدنا ويشرفنا مرورك وتعليقك