العمل التطوعي أيقونة تقدم المجتمع
بقلم دكتوره / نرمين توكل الليثي ..دكتوراه في علم الإجتماعالعمل التطوعي أيقونة تقدم المجتمع
يُعرف المفهوم العام للعمل التطوعي بأنه تقديم خدمة ما للأفراد أو المجتمع دون الحصول على أي مقابل وللعمل التطوعي عدة صور مختلفة منها: العمل الخيري أو المشاركة الفعالة في المبادرات المجتمعية أو الحرص على مساعدة الآخرين بخدمات بسيطة ولكن يمكن أن تترك مزيد من الأثر العميق في نفوسهم والعديد من الصور الأخرى والتصفح كما إن مقياس نجاح الأمم يكون بمقدار ما يقوى به نسيجها الاجتماعي والتنموي، وذلك بثقافة العمل التطوعي وميادينه المختلفة، مروراً بدور العبادة والمدارس، والإعلام الرسمي والغير الرسمي، كما يصبح العمل التطوعي بذلك ثقافة عامة مدروسة وسلوكاً يومياً حسناً يثمر في كل حين.
ويُعد العمل التطوعي موردًا هائلاً متجددًا لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في كافة أنحاء العالم. وفي حين يواجه العالم تحديات متزايدة، فأولئك المتطوعون هم أول من يقدم المساعدة لمن يحتاجها. ويتصدر المتطوعون الصفوف في أوقات الأزمات وحالات الطوارئ، وهي حالات غالبًا ما تكون شديدة الصعوبة وقاسية.
وهناك بعض التجارب الدولية، توضح أن بعض الدول استطاعت الاستفادة من أحد الموارد المتجددة بما يدعم اقتصادها بشکل ملحوظ، وبما يساعدها في التغلب على بعض المشاکل والعقبات الإقتصادية والاجتماعية التي تواجهها. ولقد تجسد هذا المورد المتجدد في “العمل التطوعي” الذي قد يُنظر إليه على أنه أحد مصادر الرأسمال الاجتماعي للدولة، والذي استطاعت بعض الدولة تعظيم الاستفادة منه وتوجيهه لدعم اقتصادها، وصدر عام 2017 تقرير عن منظمة بيديل المالية، يتناول قيمة العمل التطوعى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قدر العمل التطوعى بها بقيمة تعادل الاقتصاد الكامل لدولة كاليونان .
وللعمل التطوعي أهمية كبيرة في حياة الشباب وهي كالتالي:
1. تعزيز جهود الشباب المتطوع في المشاركة في إدارة الأزمات والطواريء وكيفية التصدي للشائعات مما يساعد على تمساك وترابط المجتمع خلال الأزمات وتنمية مهارات الشباب القيادية .
2. إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة الفعالة في بناء مجتمعاتهم.
3. تعزيز ثقة الشباب بأنفسهم، وأخذهم المبادرات في تولي العديد من الأدوار القيادية المهمة في خدمة وإصلاح المجتمع.
4. العمل على صناعة القيادات والكفاءات الميدانية من خلال تنمية طاقات الشباب وقدراتهم ومواهبهم المختلفة وتفجير طاقاتهم الكامنة بالمشاركة في الأنشطة الميدانية التي يقومون بها .
5. تعزيز وتقوية روح الانتماء لدى الشباب لمجتمعاتهم، فكلما زادت الأعمال التطوعية في حياة الشباب تعززت هذه الروح.
6. تعزيز روح العمل الجماعى لدى الشباب وإكتسابهم القدرة والمهارة على التعبير عما يجول في خلده من أفكار وآراء تخص المصالح الوطنية العامة.
7. تماسك وبناء المجتمع وترابطه، والعمل على تطويره، ومعرفة مايحتاجة من أشياء وذلك بفئة الشباب التي شكلت عناصر ربط قوية فيه للغاية.
ومع عدم وجود بيانات رسمية توثق لحجم العمل التطوعي الذي يتم لصالح مختلف وزارات الدولة، فإنه سوف يتم محاولة لرسم صورة عامة عن طبيعة العمل التطوعي في الوزارات الحکومية من خلال ما يتوافر من معلومات أو أخبار. على النحو التالي:
أولاً: وزارات لها ارتباط مباشر بالعمل التطوعي :
وهي الوزارات التي لها ارتباط مباشر بالعمل التطوعي، تلك الوزارات التي تستعين بالعمل التطوعي بشکل منتظم في بعض الأعمال والمهام التابعة لها، وهناك صيغة ما رسمية تنظم هذا العمل التطوعي. ويمکن القول أن هناك ثلاث وزارات تعتمد على الأعمال التطوعية بشکل مباشر، وهي وزارات التضامن الاجتماعي والشباب والرياضة والتعليم العالي، وسوف نحاول تسليط الضوء على طبيعة تلك العلاقة في کل وزارة على حدة.
وتعتبر وزارة التضامن الاجتماعي عادة ما يتم اختزال العمل التطوعي في تقديم المساعدات الإنسانية، واعتباره في أغلب الأحوال نشاط خاص بالمجتمع المدني والتنظيمات الأهلية، فإن وزارة التضامن الاجتماعي اصبحت هي الوزارة الأکثر ارتباطاً بالعمل التطوعي، وذلك نظرا لمسئوليتها عن توفير الدعم والمساعدة للفئات الأضعف والأکثر احتياجا في المجتمع المصري، ولتوليها مسئولية الإشراف على الجمعيات والمؤسسات الأهلية. ونتيجة لذلك أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي في منتصف عام 2015 مبادرة “بينا” کأول مبادرة تطوعية داخل الوزارة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة في دور الرعاية الاجتماعية، ووفقا لموقع الوزارة فلقد قدمت المبادرة عدد من الورش التدريبية من أجل نشر ثقافة التطوع بين الشباب، وفي مارس 2019 أطلقت مبادرة بينا حملة “کن متطوعا” من أجل دعم مفهوم العمل التطوعي والمسئولية المجتمعية لکل الفئات العمرية . بجانب تلك المبادرات، فإن هناك مبادرة أخرى تتبع لصندوق مکافحة وعلاج الإدمان تحت مسمى “بيت التطوع”، وتهدف تلك المبادرة إلى إنشاء وحدات تطوعية داخل الجامعات من أجل التعريف بمخاطر الإدمان، وحسب تصريحات مساعد وزير التضامن الاجتماعي – مدير الصندوق فإن عدد المتطوعين وصل إلى ما يقرب من 33800 شاب على مستوى الجمهورية في نوفمبر 2023 .
أما عن وزارة الشباب والرياضة فهي بطبيعتها الوزارة الأقرب إلى المورد الرئيسي للعمل التطوعي، وهو الشباب. وبالتالي، فلقد حرصت وزارة الشباب والرياضة خلال السنوات الأخيرة على تعزيز استفادتها من المشارکة التطوعية للشباب في العديد من الفعاليات والأحداث الهامة، فعلى سبيل المثال يشارك فريق من المتطوعين تابع لوزارة الشباب والرياضة منذ أکثر من ثلاث سنوات في تنظيم فعاليات معرض القاهرة الدولي للکتاب، کما شارکت مجموعات کبيرة من الشباب المتطوعين لدى الوزارة في المساعدة في تنظيم ومتابعة سير العمليات الانتخابية التي جرت في مصر خلال الأشهر الماضية، هذا بجانب بعض أنشطة التطوع المحلية التي يقوم بها متطوعون في مراکز الشباب بالقرى والمدن.
ووزارة التعليم العالي على الرغم من الدور الکبير الذي تقوم به الجامعات المصرية في خدمة المجتمع والمساهمة في تنفيذ العديد من المبادرات .
والمشروعات القومية، إلا أنها تعتمد بالدرجة الأولى على مواردها البشرية المتواجدة لديها، مع توظيف محدود للمتطوعين من طلاب الجامعات وأعضاء هيئات التدريس. وفي حين أن کل جامعة بها نائباً لرئيس الجامعة لخدمة المجتمع وتنمية البيئة، ومنصب موازي في کل کلية من کليات الجامعة ، إلا أنه لا توجد إدارات أو وحدات متخصصة في تنظيم ومتابعة العمل التطوعي المفترض أن تقوم به الجامعة من خلال طلابها أو أعضاء هيئة التدريس لخدمة مجتمعاتها، حتى أن إدارات رعاية الشباب في الجامعة لا تتبع لمکاتب نائب رئيس الجامعة أو وکلاء الکليات لشئون البيئة وخدمة المجتمع، وإنما لمکاتب ووکلاء الکليات لشئون الطلاب. وبينما يقوم طلاب بعض الکليات مثل الخدمة الاجتماعية والتربية بالالتحاق ببعض المؤسسات مثل المدارس وغيرها لأداء “خدمة عامة” کنوع من التکليف الطلابي في بعض المراحل الدراسية، فإن هذا الأمر لا يتواجد في باقي الکليات.
وفيما يتعلق بالأسر الطلابية التابعة لرعاية الشباب بالجامعات، فإن ما تقوم به ينحصر في بعض الأنشطة التطوعية التي عادة ما تکون في شکل تجميل الجامعة أو مناطق أخرى مجاورة، وعمل زيارات وأنشطة ترفيهية للأطفال الأيتام أو المرضى بالمستشفيات، والترکيز أکثر على خدمة ورعاية الطلاب أنفسهم وتنظيم حفلات أو رحلات ترفيهية لهم. وبينما تم رصد بعض العمل التطوعي الذي يتم في شکل “قوافل” طلابية تقوم بتقديم مساعدات للقرى الفقيرة مثل بناء أسطح للمنازل وتوصيل المياه بالإضافة إلى تقديم مساعدات عينية من خلال جمع التبرعات. إلا أن تلك القوافل على الرغم من کونها أکثر تنظيما وأکثر صلة بالعمل التطوعي، إلا أنها لا تتبع إدارات الجامعة بشکل تنظيمي، کما لا تحصل على دعم حقيقي من إدارات الجامعات، وإنما يتم تنظيمها داخل کل دفعة دراسية بشکل غير رسمي.
: ثانيا: وزارات لها ارتباط غير مباشر بالعمل التطوعي
هناك سبع وزارات تحظى بدعم الأعمال التطوعية لبعض مهامها وأهدافها، هي وزارات( الصحة، والتنمية المحلية، والبيئة، والأوقاف، والثقافة، والسياحة، والتربية والتعليم) :
تعتبر وزارة الصحة هي المسئولة عن القطاع الصحي في مصر، وهو ما يجعلها تحظى بجزء کبير من الدعم والمساعدات الإنسانية، إلا أن عدم وجود قنوات رسمية لدعم الجهود التطوعية في القطاع الطبي جعلت الغالبية العظمى من تلك الجهود لا يتم توجيهها إلى الخدمة الصحية نفسها، وإنما إلى متلقي الخدمة. وهناك ما نجد جهد تطوعي ملحوظ تقوم بتقديمه العديد من الجمعيات والتنظيمات التطوعية التي عادة ما تحمل اسم “جمعية أصدقاء مرضى/مستشفى …”، کما تساعد تلك التنظيمات التطوعية وغيرها في مهام توفير الدم للمرضى المحتاجين من خلال إنشاء بنوك للدم، وتقديم الدعم النفسي للمرضى وخاصة الأطفال من خلال تنظيم حفلات وزيارات لهم.
وخلال الأزمة الصحية التي أنتجها فيروس کورونا، وفي ظل الضغط الکبير على المنظومة الصحية، ومع غياب التنسيق بين الوزارة وبين نقابة الأطباء ککيان جامع مُنظم لتحرکات الأطباء ونشاطهم، ظهرت العديد من المبادرات التطوعية غير الرسمية التي حاولت دعم القطاع الطبي في مصر، بدايتها کانت مع دعوات التطوع لطلاب کليات الطب والتمريض من أجل تکوين صف ثاني لدعم جهود أطباء الصف الأول في المستشفيات ومقرات العزل، وتلى ذلك ظهور العديد من الصفحات الإلکترونية التي يشرف عليها أطباء بهدف الإجابة عن أسئلة المواطنين بخصوص حالات الاشتباه في الإصابة بالفيروس، والتعريف بالخطوات اللازمة للتعامل مع الأعراض، ومتابعة حالات العزل المنزلي، وهو الأمر الذي ساهم بشکل کبير في تخفيف الضغط على المستشفيات ، وانتهاء بالتطوع لدى الوزارة من أجل المشارکة في تجربة لقاح کورونا الذي تعاقدت الدولة على توريده مع شرکة أدوية صينية .
وبالنظرإلى أهداف وزارة التنمية المحلية التي على رأسها تنمية المجتمعات المحلية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ، فإننا نجد أن تلك الأهداف تحظي باهتمام کبير لدي جهات التطوع المحلية، والتي تسعى إلى الارتقاء بقراها وأحيائها ومدنها. وفي حين تنتشر على مستوى مدن الجمهورية جمعيات تنمية المجتمعات المحلية، فإنه لا توجد روابط رسمية بين تلك الجمعيات وبين وزارة التنمية المحلية أو بين المجالس المحلية المختلفة في المدن والمحافظات، حيث تتبع تلك الجمعيات وزارة التضامن الاجتماعي، وتمارس نشاطاتها من خلاها. ، وعلى الرغم من ذلک، فإن ما تقوم به الجمعيات المحلية، وغيرها من المجموعات التطوعية غير الرسمية، يصب في النهاية في صالح تحقيق أهداف وزارة التنمية المحلية، من خلال ما يتم تنفيذه من برامج مختلفة ومتنوعة تهدف إلى تحسين الخدمات ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المحلية التي ينتمون إليها.
أما عن وزارة البيئة شهدت توقيع برتوكولى تعاون لرفع الوعي البيئي وتعزيز دور المجتمع المدني في حماية البيئة بين جهاز شئون البيئة وهيئة الشبان العالمية والتي تعمل على حب التعاون والتكافل والعمل الخيرى والتطوع وذلك في يونيو 2023 وذلك للتعاون في مجالات التنمية المستدامة – ودمج المجتمع المدني بطوائفة وخاصة المرأة في مجال العمل البيئي والتوعية البيئة وتغير المناخ والتنوع البيولوجي والتشجير وحملات تنظيف نهر النيل والشواطيء من المخلفات البلاستيكية أحادية الاستخدام ومنظومة المخلفات الصلبة وذلك من أجل تعزيز الاستثمار البيئي من خلال الاستثمار في البشر والمشاركة الاجتماعية .
بالنسبة لى وزارة الثقافة مع تراجع مکانة قصور الثقافة في غالبية محافظات الجمهورية، ومحدودية حجم النشاط الثقافي في مصر، وبالتالي، فإن التطوع في هذا المجال عادة ما يکون موسمي ومرتبط ببعض الفعاليات الثقافية التي يتم تنظيمها سواء على مستوى وطني أو محلي، وما تشهده تلك الفعاليات من جهد تطوعي سواء بالمشارکة کجزء من تلك الفعاليات، أو بالمشارکة في الإجراءات التنظيمية .
اما عن وزارة السياحة والاثار في حين الاهتمام بالسياحة الداخلية لدى المصريين محدود، إلا أن هناك إدراك واسع بأهمية السياحة الخارجية للاقتصاد المصري، مع رغبة کبيرة في تعظيم الاستفادة من هذا القطاع في خلق فرص العمل. ولقد حرکت تلك الرغبة مجموعة من المهتمين بالسياحة والسفر للترويج للنشاط السياحي في مصر، إما من خلال التقاط صور احترافية للأماکن السياحية في مصر والترويج لها، أو عمل فيديوهات تعريفية ونشرها، أو الحديث عن السياحة في مصر على منصات إلکترونية دولية، وغيرها من الجهود المشابهة الداعمة لقطاع السياحة في مصر، لکنها تظل “جهود فردية” بشکل کبير ولا تستقطب عدد کبير من المتطوعين، على الرغم من أثرها الإيجابي.
مسئولية إدارة وصيانة المساجد بوزارة الأوقاف تتداخل مع المشاعر الدينية للمسلمين في قيمة المسجد والسعي لبناء المساجد واعمارها، ومن المعروف أن العدد الأکبر من مساجد الدولة تم بنائها اعتمادا على تبرعات أهل الخير سواء بالأرض أو المال، بجانب تلك التبرعات المادية، فإننا نلاحظ أن بعض العاملين في مجال الانشاءات عندما يشارکون في بناء وصيانة المساجد، فإنهم يفعلون ذلك بشکل تطوعي ودون الحصول على أجر، أو في بعض الحالات بأجر رمزي، کما أن عدد کبير من المساجد تظل لفترات طويلة دون وجود موظفين رسميين من قبل الأوقاف للحفاظ على نظافة المسجد، وعادة ما يقوم الأهالي بهذا الجهد کنوع من التقرب إلى الله.
تباينت علاقة وزارة التربية والتعليم بالعمل التطوعي، فمنذ عام 1989 ومع انطلاق الحملة القومية لمحو الأمية، والتي اتاحت وفقا للقانون رقم (8) لسنة 1991 للمتطوعين بالمشارکة في جهود محو الأمية، وما تلا ذلك من مشارکات ظاهرة لشباب الخريجين في فصول محو الأمية، إلا أنه وخلال السنوات الأخيرة تراجعت الجهود الخاصة بمحو الأمية بشکل کبير .
ومما سبق عرضه ، يمكن القول إننا بحاجة إلى بذل جهد أكبر من أجل دفع العمل التطوعي لمكانته الصحيحة داخل المجتمع ونشر ثقافة العمل التطوعي بين الشباب واهميته لهم وللمجتمع ككل، حيث أن الشباب هم بناة المستقبل وايقونة العمل التطوعي وتقدم المجتمع وذلك من أجل تحقيق اقصى استفادة اجتماعية واقتصادية ممكنة، بما يدعم جهود الدولة، ويساعد في تحقيق أهداف خططها وبرامجها التنموية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.