
بقلم / محمد الهادي ـ رئيس التحرير
حرب أكتوبر، أو كما تُعرف في العالم العربي بـ”حرب العاشر من رمضان“، هي واحدة من أعظم الحروب التي خاضتها الأمة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي. اندلعت الحرب في 6 أكتوبر 1973 الموافق 10 رمضان 1393 هـ، حيث شنت كل من مصر وسوريا هجومًا مشتركًا لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وهي شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية.
جاءت الحرب بعد ست سنوات من الاحتلال الإسرائيلي، الذي حاول فرض أمر واقع جديد في المنطقة، لكن القوات المسلحة المصرية والسورية أثبتت أن الإرادة والعزيمة أقوى من أي قوة عسكرية.
الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب
1. النكسة واحتلال الأراضي العربية (حرب 1967):–
في 5 يونيو 1967، شنت إسرائيل حربًا استباقية على كل من مصر وسوريا والأردن، وتمكنت خلال ستة أيام فقط من احتلال شبه جزيرة سيناء بالكامل حتى الضفة الشرقية لقناة السويس وهضبة الجولان السورية ذات الأهمية الاستراتيجية العالية والضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية من الأردن.
كانت هذه الهزيمة ضربة قاسية للعالم العربي، حيث فقدت الدول العربية أجزاءً كبيرة من أراضيها، إضافة إلى تكبدها خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
2. عدم التزام إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة
بعد الحرب، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242، الذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، إلا أن إسرائيل رفضت تطبيقه، مما جعل الدول العربية تدرك أن استعادة الأراضي لن يكون إلا بالقوة.
3. إعادة بناء الجيوش العربيه
بعد هزيمة 1967، بدأت كل من مصر وسوريا في إعادة بناء جيشيهما:
مصر: عملت على إعادة تسليح الجيش وتدريبه، خاصة بعد تولي الرئيس أنور السادات الحكم عام 1970، حيث جعل استعادة سيناء هدفه الرئيسي.
سوريا: قامت أيضًا بتحديث جيشها بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، واستعدت لخوض معركة استعادة الجولان.
4. التحالف العربي والدعم الدولي
سعت مصر وسوريا إلى توحيد الصف العربي، حيث حصلتا على دعم سياسي واقتصادي من دول الخليج، خاصة من المملكة العربية السعودية التي لعبت دورًا كبيرًا في استخدام سلاح النفط كسلاح ضغط على الدول الغربية التي تدعم إسرائيل.
التخطيط للحرب: ذكاء استراتيجي وخداع محكم
1. التنسيق المصري-السوري
عقدت عدة اجتماعات بين القيادتين المصرية والسورية، وتم الاتفاق على شن هجوم متزامن على الجبهتين المصرية والسورية لتحقيق عنصر المفاجأة وإجبار إسرائيل على القتال في جبهتين في آن واحد.
2. خطة الخداع الاستراتيجي
نجحت مصر وسوريا في خداع إسرائيل من خلال سلسلة من الإجراءات التي جعلتها تعتقد أن الحرب غير واردة، ومن أبرزها:
الإيهام بأن مصر غير مستعدة للحرب: من خلال السماح بإجازات للضباط والجنود في الفترة التي سبقت الحرب مباشرة.
إجراء تدريبات عسكرية متكررة على عبور قناة السويس: ما جعل إسرائيل تعتقد أن هذه مجرد تدريبات روتينية.
تعمد تسريب معلومات خاطئة: مثل إشاعات عن ضعف الاقتصاد المصري وعدم قدرة الجيش على خوض حرب.
تفاصيل المعركة: ملحمة العبور
1. الضربة الجوية الأولى
في الساعة 2:00 ظهرًا يوم 6 أكتوبر 1973، شنت 220 طائرة حربية مصرية ضربة جوية مركزة على مواقع العدو الإسرائيلي في سيناء، حيث استهدفت المطارات ومراكز القيادة ومنصات الدفاع الجوي، مما أدى إلى شل قدرة العدو على الرد الفوري.
2. عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف
بعد الضربة الجوية، انطلقت قوات المشاة المصرية لعبور القناة، حيث استخدمت مضخات مياه قوية لتدمير الساتر الترابي الضخم لخط بارليف، وهو خط التحصينات الإسرائيلي المنيع الذي كان يُعتقد أنه لا يمكن اختراقه.
تمكنت القوات المصرية من العبور في وقت قياسي، وأقامت رؤوس جسور على الضفة الشرقية للقناة، مما مهد الطريق لانتشار القوات في سيناء.
3. الجبهة السورية: تقدم سريع نحو الجولان
شنت القوات السورية هجومًا قويًا على الجبهة الشمالية، حيث اخترقت الدفاعات الإسرائيلية في هضبة الجولان، وتمكنت من استعادة العديد من المناطق الاستراتيجية في الأيام الأولى للحرب.

التدخل الأمريكي وانقلاب الموازين
مع تحقيق الجيوش العربية انتصارات متتالية، تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر لدعم إسرائيل، حيث أطلقت عملية “نيكل جراس” لإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات العسكرية بشكل مكثف عبر جسر جوي، مما ساعد إسرائيل على استعادة توازنها العسكري وشن هجمات مضادة.
معركة الثغرة وتوقف القتال
في الأيام الأخيرة من الحرب، تمكنت القوات الإسرائيلية من اختراق الدفاعات المصرية في منطقة “الدفرسوار”، وعبرت إلى الضفة الغربية للقناة، فيما عُرف بـ”ثغرة الدفرسوار”.
رغم ذلك، لم تستطع إسرائيل تحقيق نصر حاسم، ووجدت نفسها مضطرة إلى قبول وقف إطلاق النار تحت ضغط دولي، خاصة بعد التهديد العربي باستخدام سلاح النفط.
نتائج الحرب
1. النتائج العسكرية
استعادة مصر سيطرتها على قناة السويس ومناطق واسعة من سيناء.
تحقيق إنجاز عسكري غير مسبوق للعرب، حيث أثبتت الحرب قدرة الجيوش العربية على تحقيق الانتصارات.
انهيار نظرية “الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر”.
2. النتائج السياسية
مهدت الحرب الطريق لمفاوضات السلام، التي أسفرت عن اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ثم استعادة مصر لكامل سيناء عام 1982.
عززت مكانة مصر وسوريا في الساحة الدولية، وأجبرت إسرائيل على الاعتراف بأن الاحتلال لن يستمر بلا ثمن.
3. النتائج الاقتصادية والاستراتيجية
استخدام سلاح النفط لأول مرة في التاريخ كأداة ضغط سياسي ضد الدول الداعمة لإسرائيل، مما أدى إلى أزمة طاقة عالمية.
تعزيز الوحدة العربية والتضامن في مواجهة الاحتلال.
الخاتمة
حرب أكتوبر لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، وأثبتت أن الإرادة القوية والتخطيط السليم يمكن أن يغيرا مجرى التاريخ. كانت هذه الحرب ملحمة بطولية، وستظل مصدر فخر لكل عربي، وشهادة على قدرة الأمة العربية على مواجهة التحديات واستعادة حقوقها.
اكتشاف المزيد من بي بي سي مصر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.