بعد أن عرضنا في مقالنا وجزئنا الأول عن المثلية وعرضنا ماهيتها وكيف باتت واقع بيننا, نعرض لكم في هذا المقال موقف الأديان من المثلية الجنسية, وعلى القارئ أن يعلم جيدًا أننا لا نقصد أي إدانة لأي دين, فما في اليهودية والمسيحية إلا وقد اقتبست من مصادرهم الخاصة دون أي تعليق, وفي الإسلام أوردت الآيات القرآنية الكريمة مع اجتهاد خاص مني لقراءة هذه الآيات حسب مفهومها لدي, ووجهة نظري فيها بحكم أنني أتبع الديانة الإسلامية.
المثلية والديانة اليهودية:
ففي اليهودية ورد في التوراة : “لا تضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة، إنه رجس” ( سفر اللاويين 18: 22) وكذلك ورد أيضًا في السِّفر نفسه: “إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلاهما رجسًا. إنهما يُقتَلان. دمهما عليهما” ( سفر اللاويين 13:20).
لكن صحيفة “هآرتس” نشرت تقريرًا الثلاثاء 4 أغسطس 2015 يؤكد أن الشذوذ الجنسي – اللواط تحديدا- جزء أصيل من التاريخ اليهودي، بل كان شائعًا إلى درجة بعيدة، و يتم ممارسته في بعض الحقب داخل المعابد، من قبل الكهنة والحاخامات,
كما أوضح ذلك المؤرخ اليهودي “يارون بن نائيه:” أن المثلية الجنسية كانت منتشرة بين أبناء الجالية اليهودية بالإمبراطورية العثمانية”.
ويقول اليهود المتشددون إن المثلية الجنسية رجس دخيل على المجتمع اليهودي، يجب التصدي له بكافة الطرق، لاسيما بعد أن غدت مدينة تل أبيب تضم أكبر عدد من المثليين حتى بات يُطلق عليها “المدينة الوردية” أو “شاطئ قوس قزح” نسبة إلى علم المثليين.
وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن منظمة لهافا الإسرائيلية لن تسمح لموكب المثليين جنسيًا بأن يمر بسلام، لإعتبارها جريمة تحرمها التوراة وتدمر المجتمع اليهودي.
المثلية والديانة المسيحية:
وفي المسيحية غير الذي ذُكر في العهد القديم سابقًا لدى التوراة فقد جاء في الإنجيل : “لا تضلوا، لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور…. يرثون ملكوت الله” ( كورنثوس الأولى 10، 6:9).
لكن الضغوط التي تعرضت لها الكنيسة عبر العصور جعلت العلمانية تتغلغل فيها بقبول المثليين الجنسيين فبابا الفاتيكان “فرانسيس” في خطاب شهير له في عام 2013 قال فيه : “من أنا لأدين المثليين؟!” والبابا الأسبق “بندكت السادس عشر” يدعو إلى “العناية بالمثليين وعدم تهميشهم، أو ازدرائهم” رافضاً إصدار إدانة في حقهم.
بل في عام 1955 حين سمحت الكنسية بنشر كتابات تستبعد المثلية صراحة من قائمة “المحرمات” فظهر كتاب “المثلية الجنسية والتقليد المسيحي الغربي” من تأليف (دي. إس. بايلي) الذي أبرز فيه سكوت الكتاب المقدس عن أفعال قوم لوط، وأن القوم قد دمرهم الرب بسبب سوء الضيافة، لا بسبب السقوط الجنسي.
وعندما تسآل المسيحييون: “ولمَ القسوة على المثليين بالقتل؟” فيكون تأويل ردهم نحو النص المقدس في سفر لاوين السابق ذكره:
“لم يقول اقتلوهما بل لم يحدد كيف يموتوا فالعدد يقول أن الذي يفعل هذا الشر بوسيلة أو أخرى سيكون ميت ميت في نظر الرب سواء بالانفصال عن الله أو ميت بعوامل طبيعية مثل العدوى التي تنتشر في الشواذ وأهم من هذا ميت بفصلهم عن شعب إسرائيل “
وقد ذكر دكتور عمرو شريف, في كتابه: (الإلحاد مشكلة نفسية): “مع زيادة نسبة الشواذ في أمريكا, توجد لهم بعض الكنائس التي يُديرها وُعَّاظ شاذُّون جنسيًا, مثل كنيسة لوس أنجلوس, كما أنشئ معبد يهودي ومدرسة تلمودية لتخريج الشواذ”.
المثلية والديانة الإسلامية:
جاء في الإسلام النهي القاطع عن المثلية الجنسية والجازم على النحو التالي:
أولًا في اللواط (ذكر+ذكر):
يقول عز وجل: ﴿أَتَأْتُونَ الذِّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾[الشعراء:165-166], كما هي القصة المعروفة في قصة قوم لوط بإتيان الرجال للرجال , وقوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ…﴾[العنكبوت:29], وقطع السبيل أي مع الله, وتأتون في ناديكم المنكر أي تأتون في تجمعاتكم فاحشة اللواط. وبدليل قوله: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ…﴾[النمل:54-55].
– قوله: ﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾[النساء:16], فالاسم الموصول “اللذان” يُفيد ما يقع بين الرجال من فاحشة اللواط, وقوله: ” فَآذُوهُمَا “, يقال آذى الرَجُّل, أي: عاقبوه بالشتم والضرب والإساءة والإهانة أو التعزير. فإن تاب الفاعل والمفعول توبة حقيقية ” فَأَعْرِضُوا ” أي تجاهلوهما ولا تكترثوا بهما, وفي ذلك دعوة للمجتمع لعدم اضطهادهم على فعل قد ندما عليه, فالله كان توابًا رحيمًا.
والتعزير هي العقوبة المشروعة بغرض التأديب على معصية أو جناية لا حد فيها ولا كفارة، أو فيها حد، لكن لم تتوفر شروط تنفيذه، كالقذف بغير الزنا، وكالمباشرة في غير الفرج، وغير ذلك، فلا يقوم بتعزير المذنب إلا الحاكم أو السيد الذي يعزر رقيقه، أو الزوج الذي يعزر زوجته، والمعلم في تأديب الصبيان، والأب في تأديب ولده الصغير. ويجوز هنا للوالي أن يحكم بالفاعل والمفعول بالسجن مدة يُقدرها القانون.
ثانيًا السحاق (أنثى + أنثى):
يقول عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾[المعارج:29-31], ويُقصد هنا المرأة التي حفظت فرجها من السحاق (أنثى+أنثى), ومن الزنا (أنثى+ رجل).
وقوله عز وجل: ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾[النساء:15], فالاسم الموصول ” وَاللاَّتِي ” يُفيد ما يقع بين النساء من فاحشة السحاق. وقوله: ” فَأَمْسِكُوهُنَّ ” يُقال أمسك الحرامي أي تم القبض عليه, ففيها إشارة للقبض على مثليي الجنسية من السحاقيات, وقوله: ” فِي الْبُيُوتِ ” يُقال أمسك الإدارة أي: أشرف عليها, فجعل القبض عليها في بيوتهن تحت إشراف رب البيت, وفي هذا تأمل عجيب من الإسلام للرحمة بالمرأة حتى التي جاءت بالفاحشة بألا تودع في السجون رأفةً بها, وفي آخر الآية “حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ” وذلك مالم تعدل المرأة عن مثليتها الجنسية فتبقى في البيت ولا تخرج ولا تلتقي بمثيلاتها من النساء, ويجوز في ذلك تدخل الإشراف الطبي والنفسي والتربوي تحت إشراف رب البيت, فإن تابت فيجعل الله لهن سبيلًا, أي: طريق الهداية والصلاح, والمخرج إلى الطريق السليم السوي.
والقاريء لآيات ربه بتدبر في القرآن الكريم لدى الإسلام سيلاحظ أن الفاحشة تُشير في سياق الآيات السابقة إلى الفعل القبيح من اللواط والسحاق وحتى الزنا,
ففي الزنا بين الرجل والمرأة: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[النساء:16], وهذه الحالة عقوبتها 100 جلدة أمام طائفة من العامة تشهد عليهم عقابهم.
واشترط المشرع تحقق شرط الفاحشة من لواط أو سحاق أو زنا بــ (شهود أربعة شهداء عليهم), ولن يتحقق هذا الشرط إلا عندما تكون الفاحشة قد جاءت في العلن وبالتالي فكانت العقوبة رادعة لهم علانية. وكأن المُشرع أراد في شرط الشهود صعوبة في تحقيقه, وفي ذلك من الدين رحمة وحماية الأعراض قدر الإمكان لما يترتب عليه من دمار أسري ومجتمعي.
ولكن المثليين الجنسيين وغيرهم من دعاة الفاحشة لم يفطنوا لذلك وضربوا به عرض الحائط وصاروا ينشرون الفاحشة ويدعون إليها ويقومون بها بشكلٍ معلن وبكل بجاحة وتفاخر, فاستحقوا بذلك العقوبة.
وأميل إلى عدم تفعيل حد الرجم ولا القتل والاكتفاء بالعمل بالآيات القرآنية وتطبيقها قبل العمل بالأحاديث النبوية, حتى وإن كانت صحيحة متواترة, ناهيك عن أن أحاديث الرجم أو القتل في الإسلام أغلبها آحاديث آحاد ولا يؤخذ بالآحاد في الأصول (العقيدة) لدرجة الثبوت, وإنما يؤخذ بها في الفروع ليستأنس بها عند العامة لتصبح مشهورة بين العوام, ومن تلك الأحاديث: “إنما الأعمال بالنيات”, وحديث: “اختلاف أمتي رحمة”, هذا غير أن سندها (راوي الحديث) مجروح فيه, أو متنه (نص الحديث) مشكوك فيه, ويعود أغلبها للإسرائيليات وتلتلصق غالبًا في مطلع حديثها باليهود!!! بحجة نسخ السنة بالسنة وأنا لا أتفق ولا أؤيد قضية الناسخ والمنسوخ لا في القرآن ولا في الأحاديث. ولي في ذلك بحث طويل لا يسع المقام ذكره
ومن العلماء من أنكر حد الرجم, ومنهم غير الخوارج والمعتزلة, شيخ الأزهر السابق محمد شلتوت, وقال: [النفس لا يرفع حرمتها ولا يبيح دمها إلا أسباب ثلاث مذكورة في كتاب الله, القصاص(النفس بالنفس) , والفساد في الأرض(الحرابة), وعدوان الكافر المعتدي على المؤمن. وما جاء غير ذلك حتى في الأحاديث مناقض لآيات الله في كتابه الكريم. ]
وأنكر الرجم أيضًا الإمام محمد أبو زهرة, وقال: “أن الرجم شريعة توراتية منسوخة”.
#تعديل
وأتفهم جيدًا ما روي عن النبي في حدود الرجم والقتل (وأنا لا أميل لصحتها أو نسبها للنبي) وسواء وافقنا على الرجم أو نفيناه فإن الأمر مرردود في تطبيقه لولي الأمر (القاضي), ولا رجم في التشريع القانوني لدى جمهورية مصر العربية . ومن هنا دعونا لا نتعرض للخوض في مسألة الرجم ونكتفي بما أردنا توصيله من المنشور في قضية المثلية …
المقال القادم بإذن الله سأحدثكم فيه عن أقوى حجة يعرضها المثليين الجنسيين لدعم موقفهم وهي البيولوجية, وسيكون منشورنا القادم باسم: المثلية الجنسية و البيولوجية