التحرش بين “التشهير” و”التبرير”
بقلم : مصطفي كريم
تابعنا جميعًا بكل أسف وحزن وغضب شديد ما تم تداوله من مقطع مصور من أحد كاميرات المراقبة في أحد عقارات منطقة المعادي بالقاهرة والتي التقطت عدساتها مشهدًا مهينًا وفعلًا مشينًا قام به أحد المجرمين بتحرشه بطفلة صغيرة في مدخل أحد العقارات.
انتشر المقطع بكثافة، وخلال دقائق صار “تريند” واسع الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، ليثار الحديث مجددًا عن تلك الظاهرة، والتي ما إن نغلق أحد صفحاتها، حتى تطفو على السطح مرة أخرى.
وهنا يقفز سؤال: هل سنشهد يومًا تكون فيه تلك الظاهرة “استثناء” عن قاعدة “الاحترام”؟! وهل سنستيقظ ذات نهار لنجد احترام المرأة والتعامل معها باعتبارها في مقام الأم والأخت والابنة هو الأصل؟! وهل نودع إلى غير رجعة كل صور الإساءة إاى الأطفال؟!
أسئلة مشروعة تمثل حقوقًا وليست أحلامًا، أن تأمن المرأة على نفسها وأن يستقر بال الأب والأم على ابنائهم وبناتهم، وبالرغم كون ذلك أمر منطقيًا إلا أن مشكلة التحرش في مصر إلى الآن لا تتجاوز “التريندات” ودعوات صراخ بين الداعين إلى “التشهير” بالجاني في مواجهة الداعين إلى “التبرير” للجاني باعتباره “ضحية” معلقين مرة على “لبس” المرأة أو مرة أخرى بإلقاء اللوم عليها باعتبارها السبب وليست الضحية.
ولكني أرى أن مشكلة التحرش في مصر مشكلة اجتماعية بامتياز، ولكن لها أبعاد نفسية وقانونية وأخلاقية … إلخ، وبالتالي فلا يمكن حلها بالقوانين وحدها، ولا بالتشهير الإعلامي بمرتكبيها فقط، ولكن المشكلة متعددة الأبعاد تحتاج لحد يتناسب مع تلك الأبعاد.
ومن هنا فإني أرى أنه لابد من التحرك السريع والعاجل وعلى كل الأصعدة لحل تلك المشكلة من خلال أربع أبعاد هامة:
البعد التشريعي والقانوني: من خلال تحركات واضحة لنواب الشعب في ذلك الشأن بجانب إعمال القانون بحزم ودون هوادة حال ثبوت الجريمة.البعد الإعلامي: من خلال الضغط المجتمعي المتزايد والمتنامي سواء من خلال الإعلام الرسمي أو من خلال الإعلام الاجتماعي ووسائل التواصل مع ضرورة انضباطه بعدم الجنوح إلى التشهير غير المؤيد بدلائل وقرائن.البعد التربوي: من خلال قيام ما يعرف بـ “مؤسسات التطبيع الاجتماعي” مثل المدارس والمساجد والكنائس والنوادي … إلخ” بدورها في التوعية والتربية والتثقيف.وأخيرًا البعد النفسي: من خلال اعتبار مرتكبي تلك الجرائم ليسوا جناة من الناحية القانونية فقط، ولكن الأبحاث والدراسات النفسية المتواترة أثبت أن هؤلاء أيضًا بنسبة كبيرة يعانون من أمراض وانحرافات نفسية لابد من علاجها، حتى لا يعودوا إلى ما اقترفوه مرة أخرى.
لو لم نقم بهذا الحل المتكامل الأبعاد، فلن يعدو الأمر سوى شكليات وتريندات وهاشتاجات، وسنظل في انتظار متحرش آخر ينتظر فريسة جديدة و”راكب للتريند” ينتظر “لايكات” وبين “التشهير” و”التبرير” تضيع الحقوق، فهل آن الآوان لنستفيق؟
نقلا عن اليوم السابع