أذربيجان تحيي ذكرى شهداء مأساة ٢٠ يناير
كتب / أحمد رشاد
نصير ممدوف
القائم باعمال سفارة اذربيجان
في جمهورية العراق
في كل عام وتحديدا يوم 20 كانون الثاني ، يتم الاحتفال في جمهورية أذربيجان في الذكرى السنوية لمأسساة – يناير الاسود –غزو القوات السوفيتية لباكو وقتل العشرات من المد نيين الابرياء في العشرين من يناير عام 1990 ، حيث يعكس هذا التاريخ ذكرى المذبحة الدموية التي ارتكبت ضد الأذربيجانيين في العاصمة باكو
تاريخ الأمم مزيج من المآسي الحزينة والمناسبات السعيدة كالانتصارات والانجازات، ورغم تبوء أذربيجان لمكانة اقليمية ودولية هامة وتحقيق انجازات سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة خاصة بعد استقلالها الثاني عام 1991 الا ان المآسي في تاريخها لاتنسى في ذاكرة اهلها الطيبين .
وطوال القرن العشرين الماضي عانت أذربيجان من مذابح ومجازر عديدة على أيدي الأرمن راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبنائها، الا أن مأساة عشرين يناير عام 1990 كان لها وقع خاص علي قلوب الشعب الأذربيجاني.
ففي منتصف ليلة العشرين من شهر يناير 1990 قامت القوات السوفيتية بالهجوم على باكو من كافة الاتجاهات، وذلك في محاولة فاشلة لإنقاذ النظام الشيوعي ودحر الكفاح الوطني التحررى الأذربيجاني. وكان هجوم القوات السوفيتية هذا أمرا غير مسبوق من حيث اعتدائه على مواطنين مسالمين غير مسلحين في أذربيجان السوفيتية، الأمر الذى خلف موجات من الشعور بالصدمة في كافة أرجاء الجمهورية.
ففي باكو؛ وبحجة “إعادة النظام إلى المدينة”؛ اقتحم الجيش السوفيتي المدينة بوحشية وقسوة بالغة محاولا سحق حركة التحرر التي كانت تحظى بالتأييد وبالزخم الشعبي . وقد تم تنفيذ العملية العسكرية التي أُطلق عليها “الضربة”، ضد الحركة المعادية للسوفييت، والمؤيدة للديمقراطية والتحرر في أذربيجان، وذلك بموجب حالة الطوارىء التي أعلنتها اللجنة التنفيذية الدائمة العليا لعموم الاتحاد السوفييتي ووقع عليها الرئيس غورباتشوف، وتم تطبيقها حصريا على جمهورية أذربيجان، بعد أن فتل في الشوارع أكثر من مئة وثلاثين مواطنا، فضلا عن أكثر من سبعمائة جريحا.
الارمن وحرق مدينة شوشا
والسبب الآخر والأهم هو احتجاج الشعب الأذربيجاني ضد الأعمال التخريبية والاستفزازية من قبل الأرمن المتواجدين في أراضي أذربيجان وحرق الغابات في منطقة شوشا الأذربيجانية حيث قام الشعب الأذربيجاني على اثرها باحتجاجات ومظاهرات مطالبة ومساءلة قيادة النظام السوفييتي حول التصرفات التخريبية الأرمينية. ولم يكن مخفيا، أن النظام الشيوعي كان ينحاز لأرمينيا ضد أذربيجان.
ولم تكن أوامر ميخائيل غورباتشوف باستخدام القوة ضد المدنيين الأبرياء إلا محاولة يائسة لوقف تفسخ وضعف الحكم الشيوعي في أذربيجان.
ومن قبيل السخرية والتناقض التام أن ميخائيل غورباتشوف، رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، قد حظي بإعجاب الغرب باعتباره “ديمقراطيا” و”محبا للسلام” وأنه رُشح في أكتوبر 1990 للحصول على جائزة نوبل بسبب “دوره القيادى في عملية السلام”، وهو نفسه كان مسئولا شخصيا عن هذه المأساة وعن قتل الأبرياء من الناس.
وأشارت منظمة هيومان رايتس واتش في تقريرها حول الاعمال الاجرامية بعنوان “يناير الأسود في أذربيجان” إلى أنه: “لم يكن العنف الذى استخدمه الجيش السوفيتي ليلة 19-20 يناير متكافئا بأى حال مع المقاومة التي أبداها الآذربيجانيون، حتى أنه تحول إلى ممارسة للعقاب الجماعي. ولأن المسئولين السوفييت قد أعلنوا على الملأ أن هدف تدخل القوات السوفيتية هو الحيلولة دون إسقاط حكومة جمهورية أذربيجان التي يسيطر عليها الشيوعيون من قِبل المعارضة غير الشيوعية ذات التوجه الوطني، فيمكن اعتبار العقاب الذي أُنزل بباكو على يد الجنود السوفييت إنذارا للحركات القومية ليس فقط في أذربيجان، بل أيضا للجمهوريات الأخرى للاتحاد السوفيتي”.
وفي جلسة تاريخية عقدت في الثامن عشر من تشرين الاول لعام 1991، أصدر المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع، القانون الدستورى “حول استقلال الدولة في جمهورية أذربيجان”. وتلى هذا القرار استفتاء وطني في جمهورية أذربيجان في 29 كانون الاول 1991. وضمت ورقة الاقتراع في هذا الاستفتاء سؤالا واحدا هو: “هل يؤيد القانون الدستورى لاستقلال الدولة في جمهورية أذربيجان؟” وصوت شعب أذربيجان بالإجماع تأييدا لتجديد وضع استقلال الدولة.
بناء بلد ديمقراطي
ولم تثني فظائع “يناير الأسود” من عزم الشعب الأذربيجاني على بناء بلد ديمقراطي مستقل ومزدهر وما تلاها من عدوان أرمينيا ضد أذربيجان، واحتلالها لمساحة 20% من أراضيها ونزوح أكثر من مليون أذربيجاني، فضلا عن الصعوبات السياسية الاقتصادية التي كانت تمتد جذورها إلى الأيام الأولى لاستقلال البلاد.
وبالسلام والمفاوضات والوساطات والقوانين الدولية حاولت القيادة الأذربيجانية استعادة الأرض المحتلة؛ لكن دون جدوى.
فمنذ عام 1992 جرت المفاوضات مع أرمينيا وأذربيجان على تسوية النزاع، واستطاعت أذربيجان أن تحصل على أربع قرارات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة(822،853،874،884)، والتي تم الاعتراف من خلالها بحق أذربيجان في استعادة أراضيها؛ لكن دون جدوى.
ثم توسطت مجموعة “منسك” التي ترأستها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا، وهي (منظمة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية)؛ لكن دون جدوى أيضًا.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، وإنما استغل النظام الأرميني هذا النزاع كلما عانى داخليًا من أزمة سياسية أو اقتصادية. فكان يتم الاعتداء على الحدود الأذربيجانية واستفزاز الجيش الأذربيجاني للرد، حتى يبدأ النظام الأرميني في استنفار الأرمن داخليًا وخارجيًا باسم الدين والعرق، في عنصرية اعتاد عليها.
ودولة مثل أذربيجان لم يكن بوسعها الصبر على محتل أكثر من ٢٨ عامًا…! فحسمت قيادة أذربيجان أمرها، فاستردت أراضيها المحتلة بقوة جيشها الباسل من وطأة العدو الغاشم خلال 44 يوما، ثم هزم العدو وأرغم على الاستسلام العسكري، فبعد ذلك تمكنت من استعادة باقي أراضيها بالتفاوض والسياسة.
لاتزال جمهورية اذربيجان المحبة للسلام لجميع شعوب العالم تنتظر من ارمنينا ترسيم الحدود ووضع جدا للاستفزازات العسكرية والخروقات من قبل العصابات الارمنية على الحدود وازالة الالغام المزروعة في الاراظي المحررة .