فى أدب الخيال العلمى
بقلم / خالد العرفى
يُعد أدب الخيال العلمى، من أهم الأجناس والأنواع الأدبية. وتنبع تلك الأهمية من كونه دافعا وحافزا للإبداع فى التفكير، وبكونه بلا حدود، تعوقه أو تحد منه. ولأن تنمية هذا الخيال ضرورة لتنمية التفكير العلمى، تظهر الإبداع والكشف المبكر عن المتميزين والمبدعين. بل ومدخل ضرورى أكيد وهام.
والخيال اهم من المعرفة لان المعرفة محدودة بينما الخيال لا محدود كما قال ألبرت أينشتين.. والخيال العلمى، هو النظر إلى حاضر مجهول.. ، والمستقبل قريبا كان أم بعيدا، من أجل توسيع الإدراك الحالي .. انتقالا في آفاق الزمن.
ومنطلق كاتب الخيال العلمي أن يستند فى كتابته وفي سرده، إلى الحقائق العلمية، التي توصّل إليها العلماء. الأمر الذى يمكنه من إستشراف المستقبل، مستندا الى هذه الحقائق. الأمر كذلك، الذى يمكّن الإنسان من الفهم الدقيق لعالم المادة ولتفاعلاتها، وللحياة وتشعباتها، للإنسان وتناقضاته. وبدون الخيال العلمى لا يمكن للإنسان أن يتقدم ويتطور بحياته إلى الأمام، لأنه الضوء الذى ينير طريق البحث والإكتشاف نحو الآفاق الكبرى. وأدب الخيال العلمى يجعل البشرية أكثر إستعدادا لإستيعاب تطورات العلم الحديث وتحققها على أرض الواقع. وتلك الأهمية، هى ما جعلت أينشتين، يقرر أن الخيال أهم من العلم نفسه، بإعتباره الموجه والحافز، نحو الإكتشاف والإبتكار العلمى والأفكار، التى تنبع من الخيال خارج حدود الممكن والمعقول. وليس للخيال العلمي حدود، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم، ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا جديدا.
والعلم، هو لغة العصر، والدور الحضاري لأية أمة من الأمم لا يكون إلا بالعلم وإبداعاته في مختلف جوانب الحياة. وقد اخترق العلم حجباً كثيرة وحول الأعاجيب إلى مجرد أمور اعتيادية وحقق تقريبًا كل ما تنبأ به الخيال العلمي وذلك لأن العلم يبدأ من النقطة التي يقف عندها العلم، ممهدًا الطريق للمستقبل . وتعتبر أية إضافة في العلم أو الخيال العلمي لبنة جديدة في صرح المعرفة لان الخيال العلمي هو من مفردات العلم باعتباره المحفز الأول لمخيلة المبدع .وقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الخيال العلمي كبوابة للإبداع والإبتكار حيث وضعت بعض المقررات في مناهج التعليم لديها قائمة على استثارة الخيال العلمي لدى الأطفال بل ووضعت بعض المقررات في الجامعات مثل مقرر “أدب الخيال العلمي” ضمن المناهج التدريسية. وأصبحت دراسة الخيال العلمي جزء لا يتجزأ من خطط وإستراتيجيات المستقبل .ومن هنا بدأ إستخدام الخيال العلمي على نطاق واسع في الدول المتقدمة، من زوايا عديدة وبطريقة خيالية مستندة إلى العلم والتكنولوجيا. وتزداد مصداقته باستخدام مجازات وإستعارات مستقاة من واقع العلم والتكنولوجيا، بنقل الحقيقة العلمية بأمانة وصدق وبنظرة مستقبلية.
ولقد إتسع إنتشار الخيال العلمي (Scientific Fiction) في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة لإعداد علماء للمستقبل، فقد تكون قصص الخيال العلمي بديلا حقيقيا لإدخال العلم بقوالب جامدة، مما قد يؤدي إلى عدم الإنصراف عن العلم أو عدم الإهتمام به. ولذلك تحتل قصص الخيال العلمي مكانة مرموقة في المجتمع المتقدم الحديث.. كما يحظى هذا النوع الأدبي، بإهتمام العلماء كما يحظى بإهتمام الأدباء وعلماء النفس، وغيرهم . ويمثل أدب الخيال العلمي صورة مقروءة للأفكار، وخريطة بديلة للمعرفة، وجسر منهجي إلى علوم المستقبل، فى الوقت الذى تتسع فيه أنماط العلم المعروفة، وتتداخل فيه أفرع المعرفة العديدة.. مما يمكن من دعم التفكير الخلاق الإبداعى الشامل. ويمكن أن يؤدي تحرير الخيال إلى وضع الفرضيّات العلمية، وتعديل مسالك التأمل والملاحظة، والتخلص من التبعة للأفكار السائدة. كما يحرض الإرادة البشرية على إرتياد المجهول والتدريب على تذوق لذّة الكشف العلمي. ويسهم في ترسيخ الثقافة العلمية. ومن ثم يشجعهم على مزيد من الإهتمام بالقراءة، وكوسيلة تعليمية حديثة تضمن توجيه الرغبة، في التعامل مع الحياة، والتعبير عن الآراء والتصورات بأسلوب علمي. وبصفة خاصة تساعد الدراسة العلمية، علي بناء الشخصية، ومما يمكن أن يكون عاملاً فعالا، في التغيير والتجديد . وذلك بالإهتمام بالمعرفة المعاصرة وإمتدادها إلى المستقبل، وأثرها على السلوك الإنساني .
ويتعامل الخيال العلمى، مع المادة والزمان والمكان والكون والفضاء، وكثير من الأمور، بصورة خلاقة بالترجمة بين الطرق المختلفة، لرؤية العالم فى ظل آلاف الحقائق العلمية المتجمعة، لبناء صورة تتنبأ بمستقبل الجنس البشري، ومجتمع الغد ومدنيته. وذلك بمعالجة الحقائق العلمية، ودعم الثقافة العلمية المنوط بها إستعاب التغييرات التي يمكن التنبؤ بها فى تلك البيئة. وبمحاولة تصور المستقبل الممكن والتطور العلمى وراء الأفق وخلق تصورات جديدة لما هو معروف فعلاً . وفي ضوء الخيال العلمي الذى يخترق حدود الزمان والمكان، يستطيع الإنسان بالخيال، أن يطوف أرجاء الكون بالتزود بكثير من الحقائق، والمكتسبات العلمية الحديثة، مما يمنحه القدرة على عبور آفاق الزمن بطموحاته ونبؤاته وأفكاره لطرق أبواب المستقبل. ومن هنا يرسم المستقبل بما يمكن أن يكون وكيف يمكن أن يحياه لإرتباطه بشكل مباشر بنوعية الحياة المستقبلية نتيجة للتقدم العلمى والتكنولوجى المتسارع. خاصة وأن مستقبل العلم والتكنولوجيا قد يصل إلى أقصى تقدم تتصوره البشرية . بالإضافة إلى أن الحدود الفاصلة بين هذا الخيال والعلم، توشك أن تتلاشى، بعد أن تحققت كثير من التنبؤات، وتحولت إلى واقع مشاهد وملموس من التقنيات العلمية التى تحيط بنا. ولأن العلم يستثمر أفكار الخيال العلمى مما يمكن أن يتحول إلى إبتكارات وإكتشافات جديدة. وسوف يظل الخيال العلمى دافعا يحث العلماء على تقديم المزيد من الإنجازات فى مستقبل القرن الواحد العشرين، فى هذا المجهول الكونى، الذى يحيط بالإنسان. وحيث يمكن إكتشاف الكثير من المفاجأت العلمية المثيرة بعد رسوخ المفاهيم والحقائق العلمية، التى تتصل بعدة علوم، يُبنى عليها المعارف التى تتنبأ بما يمكن عليه الحال، فى نهاية هذا القرن الواحد. كما أنها تثير روح الفضول العلمى .ومن هنا تظهر قيمة وأهمية الخيال العلمي، في إعداد وتنشئة العلماء والمبدعين وبأهميته القصوى، في إحداث التغيير والتطوير مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة والثقافة العلمية. الأمر الذى يمكن من المساهمة في العمل علي إعداد جيل من العلماء لمستقبل لن يكون فيه موضع قدم إلا لأصحاب البحث والإبتكار والإبداع في ظل التحديات التكنولوجية والتقنية الهائلة.
حينما، أدرك أينشتين النسبية، لم يحركه، إلا شئ واحد، لم يفكر فيه إلا هو وحده. حينما، ذكر إذا لم تبد الفكرة، من البداية عبثية، فلا أمل، فى تحقيقها. وهكذا، إكتشف بخياله أولا، نظرية النسبية. والأديب، أولى بذلك الخيال، صنوا للعالم، لتظهر أفكاره، من حيز لآخر، وليؤثر فى قارئه. أحيانا، عليك أن تتحرر من المنطق، ومن تصوراتك المسبقة، لتكون، فى كل نص، بروحك، وكيانك. تنطلق، بسرعة أسرع، من الضوء.. فلا تضيع فكرتك، وأنت ساكن، ثابت على منوال واحد. حرك كل شئ، فى عقلك. إنها حقول قوة، كامنة فى عمقك، أنت. أكتشف بها السفر، فى الزمان، والمكان. إستوعب المكنون، فتستوعب مخيلتك، كل شئ. إنشد ما لا يُرى. هذا هو المقصد، وهذا هو السؤال. أعبر التضاريس الغريبة، خطّ أثرك. احفره، خطوة، إثر أخرى. لتكتشف الحلم، وما لا تعرف. حقق ذاتك. أنا أتعلم كيف أصنعه فى عقلى إلى الآن، وما زلت.. بصوت منحفض، يزداد قوة، شيئا فشيئا، فى أذنى، قبل أن أراه. وأحاول أن اضعه فى كل نص أكتبه.عبثية الفكرة، أنت، الذى يضع منطقها المستحيل، بسؤال وراء سؤال، وتصورات تضع نفسك، فى داخلها. من غير الممكن، أن تحقق شيئا، وأن تظل هكذا، لو لم يستغرق ذلك الأمر، وإبداعك، من خلجات نفسك، وحنايا روحك. تراه بعينى عقلك، أولا. ثم تدرك حقول القوة هذه، داخلك، بعد ذلك، فتنطلق بك، وتنطلق بها، متحرر فكرك، وممتلكا أنت أفكارك، ونصك، لغة ومعنى، ومضمونا. فى النهاية التأثير، الذى تلمسه على نفسك، قبل قارئك. حتى العلم، يقرر أنه بدون الخيال، وبدون الإرادة، لا يمكن للإنسان، إلا أن يقع فريسة للواقع، ويستمر فيه، راكنا إلى لا شئ، لا يتحرك. أعجب، لمن تدور أفكارهم، حول نقطة ما دائما، لا يتخطونها أبدا، ولا يحاولون طرق كل ماهو غريب. يدورون، فى فلك واحد ونفس المسار،.. يسلكون ذات المدار. يدورون، ويدورون. كأن، لا هناك أمكنة، ولا أزمنة أخرى، فى الكون. ببساطة، لا مستحيل. هكذا الأمر. وأنا لا أندهش، فى نفسي، لمستحيل فكرة أبدا، طالما يمكننى تخيلها، ثم كتابتها. أضعها أمامى، فى الأفق البعيد، فأرى كل تفاصيلها. تنبئنى أن هذا فى إمكانى. فقط أبدا حلقة الخيال، تحيط بى. وأقيّدها بالعقل، الذى يقوم بدوره، باذلا قصارى جهدى. وتتوالى الحلقات. أقحم نفسي فيها إقحاما، يلتهب بها خيالى، قبل مدادى، فأشحذ فى نفسي، روح مغامرة إكتشاف المجهول، ليكون ممكنا بين يدي، لتنطلق الفكرة فى المداد، هادرة، بصوت أكاد أسمعه، حتى أراها نصا. إن تقدير العلماء لمبادئ العلم، لا تقدم جديدا، دون تلك الروح الوهاجة، للمستحيل، وكسره فى الخيال. فما بالك بالكاتب، أو الأديب دون خياله، أو إلهام له. إن المفارقة، تكمن دائما، فى هذا السبب، والمحرّك الجوهرى والأساسى، الذى يدفع القلم للإبداع، من حلقة، إلى أخرى. فيظن القارئ، أو المتلق، أنه داخل النص فعلا. ويأسره النص تماما. يقع بين براثنه، فريسة للجمال، لا يود أن تنتهى قراءته. وهذا ما يهزّنى، حينما أقرأ. وهذا ما يعلقنى بكاتب أو أديب، ما. من هنا، إقنع نفسى دائما، أن كل شئ ممكنا. لا أعطى تنبؤات مسبقة، لدائرة الخيال الواسعة فى الكتابة، وبيدي أن أتأمل، بين الفكرة والمعنى واللفظ. إنطلق فحسب. ثق أن قدراتك أعلى مما تتوقعه، فى نفسك. لا مستحيلات دوما. وإن ندرت. وما أكثر الممكن حولك، وهو متوفر، ولكن بلا معنى. الفكر الخلاق دائما، يكون على حافة المستحيل، وما لا تظنه أبدا. وكذلك الإبداع الرائع ينقلك، من عالم إلى آخر. من زمن إلى زمن.. ومن معنى إلى معان، لا يمكن تصورها. وإن إفتقدت روح الخيال، وعبثية الأفكار، فلا تنتظر شيئا، من نفسك. هذا شئ، أشبه بالسفر عبر فضاء فائق متعدد، أو ما يسمى فى الخيال العلمى، عبر الثقوب. أن تخترق الماضى، والمستقبل، فى لحظة الحاضر. هنا أتذكر مرة ثانية، حلم أينشتين الكبير “نظرية لكل شئ” أو ما يُصطلح عليه “النظرية النهائية”. التى تفسر كل شئ. لكنها ها هنا، فى مضمار الكتابة والأدب، أنت صاحبها، تضعها لنفسك، لتكون، أو لا تكون. بدون الخيال، حول ماهو ممكن، وما هو مستحيل، والحدود بينهما، التى ننتقل فيها وعبرها، فإننا لا نصنع شيئا. لا تظن أن الموهبة بعيدة عن العلم، يمكنك أن تنال مثلا، وتستفيد من قوانين آرثر كلارك الثلاثة. هذا شئ، قد يجعل البعض، يبتسم، ولها، لو كان يعلمها من قبل. يتسائل ما العلاقة بين العلم والأدب. ببساطة إنه الخيال. يقرر كلارك أن ( إذا كان شئ ما ممكنا، فهذا بالتأكيد حق، وأن الطريقة الوحيدة لإكتشاف حدود الممكن، هى المغامرة فى الذهاب، أبعد منها إلى المستحيل). وأخيرا، إن ( أى تقانة متطورة جدا، لا يمكن تمييزها، عن السحر) ألا تتفق معى، أن الأدب البديع كذلك. أنت تقرأ نصا ما، أيا كان نوعه، قد يٌسحرك. يشدهك. يسلمك لتأويلات وتفسيرات، لا تستطيع، أن تضع له حدا، واحدا. هذا هو السحر بعينه. وهو البيان. وصنعة الأديب، الحاذق بها. وكما قيل، إن من البيان لسحرا. فكم هو رائع، أن تصادف معضلة، الآن، فتحقق بعض الأمل، فى تحقيق تقدم، إلى الأمام، من تفكيرك بها. فقط أولئك الذين يفكرون، ويجربون، يحصلون على المستحيل. شئ كالتخاطر تماما، لكن مع الأفكار، وحدها. تتمثلها أمامك، وتُجسدها. أو إن شئت، قل النقل الفورى، لذاتك، من مكان الى آخر، فى زمن آخر، لا يحدّه شئ. أو الإستبصار، للمجهول. يقول جون ويلر: ( إذا لم أرّ شيئا غريبا، خلال اليوم فانه ليس يوما جيدا). وشكسبير نفسه له رأى (أن من مميزات الإنسان غير العادى، أنه يتفوه بحقائق، لا يتفوه بها، أى شخص آخر). أنت ترى، أى إنسان، له ميزة تفرد عن الآخرين. فقط، عليه أن يكتشفها ويستنهضها فى ذاته. وهذا ما يجعلنا نشمئز من حماقات، عدم العبثية فى تفكيرنا، التى إن لم تخالج أنفسنا.. مما قد يمنح الخيال، فلن نبدع. أنت غير مطالب، أن تكون شكسبير أو غيره. لكن لا تركن إلى دعة الفكر. فقط إنتقل فى حقول قوة خيالك، لترى ملحمة العجب، وترى نفسك والكون، وكل شئ، بعين عقلك. لا تخف الفكرة. لا تخشَ التجريب. حاول، مرة بعد مرة. هذا فقط، إن لم ترَ الأمر مستحيلا، فى نفسك، من الأساس. فإن لم تره، فكيف يراه القارئ لنصك. وهى الثقة، فى أنك لن تفنى، فى الخيال، أو فى أكوان متوازية مجاورة، إلى الأبد، فلا تعثر على ذاتك، مرة ثانية. أمور غريبة أليست كذلك. لا ليس الأمر، كما يبدو، عليه. أنظر لمقولة إتش ويلز الشهيرة:
(قال أحدهم: السفر عير الزمان ضد المنطق. قال المسافر عبر الزمان: أى منطق؟).